بايدن يعيد ضبط بوصلة أمريكا.. استراتيجية جديدة تجاه الشرق الأوسط

عدن 24 / العين الإخبارية:

فيما يبدو تعلما من أخطاء الماضي، وضع الرئيس الأمريكي جو بايدن، العلاقة مع السعودية، كعلامة رئيسية في طريق تحقيق مصالح بلاده.

بايدن الذي وجه بوصلته صوب إبقاء بلاده “قوية وآمنة”، تحدث عن ثلاثة محاور حركة رئيسية للسياسة الأمريكية في هذا الإطار، وهي “مواجهة” روسيا والتموضع في “أفضل وضع ممكن” في مواجهة الصين وضمان “مزيد من الاستقرار” في الشرق الأوسط.

وقال في مقال نشره بصحيفة “واشنطن بوست” قبل أيام من زيارته إلى المنطقة، “من أجل تحقيق هذه الأمور، يجب أن تكون لدينا علاقة مباشرة مع الدول التي يُمكن أن تُساهم فيها. والسعودية واحدة من هذه الدول”.

ومضى مؤكدا أنه سيسعى إلى “تعزيز الشراكة الاستراتيجية” مع السعودية “تستند إلى مصالح ومسؤوليّات متبادلة”، مضيفا أن “السعوديّة شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، منذ 80 عامًا”.

“إرث صعب”
هذا المسعى الجديد يتطلب تعاطي مع إرث صعب ورثته إدارة بايدن من الإدارات السابقة، إذ انخفض تفاعل الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط بشكل كبير منذ نهاية عهد إدارة جورج دبليو بوش، وبعد أن وضعت هجمات 11 سبتمبر/أيلول وحرب العراق المنطقة في قلب السياسة الخارجية الأمريكية لثماني سنوات.

بعدها، حاول الرئيس الأسبق باراك أوباما الحد من التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، كما فضل الرئيس دونالد ترامب أن تكون مشاركة الولايات المتحدة محدودة في المنطقة، وفق تقرير لمعهد “بروكينجز”.

وفي بداية ولايتها، ركزت إدارة بايدن على المنافسة مع القوى العظمى، وسيطر التنافس مع الصين على التفكير الاستراتيجي الأمريكي. وبالتالي تطور مع الوقت تصور إقليمي في الشرق الأوسط بأن الولايات المتحدة تركز على أجزاء أخرى من العالم.

لكن تطورات حرب أوكرانيا وحرب الطاقة، وتعثر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وغيرها من الملفات المفتوحة في الشرق الأوسط تدفع إدارة بايدن إلى تغيير استراتيجيتها، والسعي بشكل حثيث نحو شراكة استراتيجية أقوى مع دول المنطقة، خاصة الخليج والسعودية.

التاريخ الإيجابي
نهج بايدن الجديد، والرامي لتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، لا يتعلم فقط من دروس رحلة سابقيه أوباما وترامب، ولكنه يستقي الدروس من الرئيس الأمريكي الراحل فرانكلين روزفلت الذي دشن العلاقات مع السعودية قبل أكثر من 80 عاما.

وفي لقاء تاريخي جمع روزفلت والملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، استطاع الجانبان تأسيس أضخم علاقة استراتيجية في عام 1945، انطلاقا من الدور المحوري الذي تلعبه السعودية في المنطقة، وأهمية العلاقة بين الجانبين في تحقيق الاستقرار الإقليمي.

قضية النفط
وفي ظل هذه الرغبة في تعزيز العلاقات الاستراتيجية، حدد بايدن في مقاله بـ”واشنطن بوست” محتويات حقيبة أوراقه خلال الزيارة المقررة للشرق الأوسط بين 13 و١٦ يوليو/تموز الجاري.

وفي هذا الإطار، أشار بايدن إلى قضيّة النفط المهمّة التي ستكون حاضرة خلال زيارته، في وقتٍ تثير فيه الأسعار المرتفعة للطاقة سخطًا بين الأمريكيّين وتضرّ بالآفاق الانتخابيّة لحزبه، مؤكدا أنّ الرياض “تعمل مع خبراء للمساعدة في استقرار سوق النفط”.

ووفق تقرير لمجلة “فورين بولسي” الأمريكية، فإن رحلة بايدن إلى المنطقة مدفوعة إلى حد كبير بأزمة سياسية داخلية أمريكية مرتبطة بأسعار النفط، وأوضحت المجلة أن ارتفاع “أسعار الطاقة بشكل كبير، أدى إلى تزايد التضخم في الولايات المتحدة وأثر بشكل سلبي على الموقف السياسي لبايدن قبل انتخابات التجديد النصفي للولايات المتحدة والمقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل”.

فيما قال تقرير “بوكينجز” أن جزءا من دوافع سفر بايدن إلى السعودية، هو إقناع المملكة بضخ المزيد من النفط للسيطرة على ارتفاع الأسعار العالمية، ومحاولة احتواء التضخم المتزايد في أمريكا.

وبخلاف ملف النفط، فإن زيارة بايدن تحمل أبعادا أمنية، رغم إقراره في مقاله المنشور اليوم بأن “الشرق الأوسط بات أكثر استقرارًا وأمانًا ممّا كان عليه عندما تولّى الرئاسة الأمريكيّة في يناير/كانون الثاني 2021.

جوانب أمنية
وتسعى الولايات المتحدة لمواصلة الضغط على تنظيم “داعش” لمنع المنظمة الإرهابية من إعادة البناء. ومع ذلك، فإن كلا من الحرب الروسية الأوكرانية والصراع ضد فلول “داعش” هي مخاوف ثانوية لدول المنطقة القلقة بالأساس من أن تركيز الولايات المتحدة على آسيا وأوروبا، سيجعل واشنطن شريكا أمنيا أقل فائدة بالنسبة للشرق الأوسط، وفق “بروكينجز”.

وتقود هذه الجزئية إلى ملف إيران، والذي يعتبر، وفق معهد “بروكينجز”، أولوية السياسة الخارجية لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والعديد من الدول الإقليمية الأخرى، ويعد أيضا نقطة شائكة رئيسية.

في الواقع، يعارض معظم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، جهود إدارة بايدن لاستعادة الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، ويرون أنه يقدم الكثير من التنازلات لطهران، ويخشون ألا تتعاطى أمريكا بشكل فعال مع أنشطة إيران ووكلائها في الإقليم، المزعزعة للاستقرار والأمن؟

وتشعل هذه المخاوف الضربات الصاروخية الإيرانية المنتظمة على العراق، وهجمات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي يشنها الحوثيون، وكلاء إيران في اليمن على السعودية ودولة الإمارات.

وتتزامن زيارة بايدن مع تعثر المحادثات النووية مع إيران وحاجة الإدارة الأمريكية إلى تقرير ما إذا كانت ستحاول إحياء المحادثات مع المخاطرة بالعلاقات مع الدول المهمة في الشرق الأوسط، أو العمل على التحدي التالي: كيفية إنشاء خيارات دبلوماسية-عسكرية أخرى لضمان الأمن الإقليمي، وفق التقرير ذاته.

ماذا يمكن أن يقدم بايدن؟
ماذا يمكن أن يقدم بايدن في الشق الأمني؟ أجابت فورين بولسي في تقريرها عن هذا السؤال بتحديد خيارين رئيسيين يمكن أن يحملهما الرئيس الأمريكي، الأول هو تقديم ضمان أمريكي ملزم بالدفاع عن أمن السعودية، أو اتفاق تعاون دفاعي بين السعودية وأمريكا.

ووفق معهد بروكينجز، فإن أفضل ما يمكن للإدارة الأمريكية أن تأمل في أن يحقق نتائج إيجابية، هو أن توضح، سرا وعلانية، أن الولايات المتحدة ستظل منخرطة دبلوماسيا وعسكريا في الشرق الأوسط، سواء كان ذلك لمواجهة “داعش” أو ردع إيران. لذا فإن زيارة الرئيس الأمريكي إشارة مفيدة في هذا الصدد.

وبعيدا عن النفط والشق الأمني، فإن بايدن يحمل في جعبته أيضا ملف السلام، وتحدث في مقاله في واشنطن بوست، عن تحسّن العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربيّة والذي كان قد بدأ برعاية دونالد ترامب، قائلًا إنّ إدارته “تعمل على تعميق” هذه العمليّة و”توسيعها”.

وذكر بايدن أنّه يريد “تحقيق تقدّم” في منطقة ما زالت “مليئة بالتحديات”، بينها البرنامج النووي الإيراني والوضع غير المستقرّ في سوريا وليبيا والعراق ولبنان.

وقال إنّه لاحظ “اتّجاهات واعدة” في المنطقة، معتبرًا أنّ “الولايات المتحدة يُمكن أن تقوّيها مثلما لا تستطيع أيّ دولة أخرى أن تفعله”.

ملف شائك
وبخلاف ذلك، فإن روسيا تعد ملفا شائكا في زيارة بايدن، إذ تحاول أمريكا بوضوح تشكيل تحالف عالمي ضد العملية الروسية في أوكرانيا، لكن الدول الرئيسية في المنطقة لا تتشارك معها نفس الاهتمام، في ظل ارتباطها بعلاقات مع روسيا سواء سياسية أو تجارية، ولعب موسكو أدورا سياسية في بعض الملفات بالمنطقة.

حتى إن إسرائيل لا تتشارك هذه الرؤية بشكل واضح مع واشنطن، إذ إنها تنسق مع موسكو بشكل وثيق لمواجهة التهديدات الإيرانية في الأراضي السورية، ومحاولات نقل السلاح.

ووفق مراقبين، فإن زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط ستعج بكثير من النقاشات في ملفات رئيسية، إذ تحاول إدارته التعلم من دروس الماضي القريب، والحصول على بعض الإلهام من الماضي البعيد، لكنها ستكون بحاجة لتقديم ما هو أكبر من الدروس المستفادة لكسب رضاء الدول الرئيسية في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى