الإعلامي الرائد أحمد عمر بن سلمان ودوره المتميز في إذاعة عدن

  • أ.د. علي صالح الخلاقي

برنامج “كلمتين اثنين” وغيره:

على الرغم أن شهرة الأستاذ بن سلمان قد ارتبطت ببرنامجه الأقدم والأطول عمراً «العلم والإنسان»، إلا أنه استطاع، وبنفس أسلوبه المتميز بالخطاب العام المباشر للمستمعين وبلهجته البسيطة المعبرة ونبرة صوته المحببة إلى قلوب المستمعين، أن ينجح أيضاً عام 1982م في إعداد وتقديم برنامج إذاعي شعبي آخر، باسم «كلمتين اثنين» حظي باهتمام كبير من قبل المستمعين على اختلاف مشاربهم وأعمارهم.

وكانت بدايته كما يقول: «أذكر كان مدير الإذاعة في ذلك الوقت جمال الخطيب، وأحد الزملاء كان جميل مهدي، يكلمني مرة بالتلفون، ويقول لي: أيش رأيك تعد برنامج خفيف كذا(كلمتين)، وعند سماع “كلمتين” ضربت في مخي أغنية شعبية يقولها مطرب شعبي مصري اسمه محمد عبد المطلب، يدلعوه يقولوا (طِلب) للتدليل والتحبيب.. هو بيقول لي كلمتين، وأنا بقول له (من كلمتين اثنين تأخذ على خاطرك.. من كلمتين اثنين.. كلمتين اثنين).. وسَبَطت، وكنت أقدمه في الثمانينات».

كان يعد ويقدم هذا البرنامج يومياً، ويتناول فيه بأسلوب نقدي العديد من الظواهر الاجتماعية التي تمس حياة الناس، بطريقة خفيفة وسلسة، وبنوع من الدعابة، موظفاً ذخيرته الواسعة التي يختزنها من الحكم والأمثال الشعبية، وكان من البرامج الناجحة التي يتلهف الناس لسماعها، ولا يقل شعبية عن برنامجه الأسبوعي «العلم والإنسان» وإن اختلف عنه شكلاً ومضموناً.

«كان مرغوب كثير كثير، الشباب في المدارس.. يسمعوه في البيوت.. والناس قبل ما يروحوا العمل يسمعوه.. عمال موظفون حتى مسئولون كانوا يسمعوه، بل حتى ربات بيوت، ولا يزال في الذاكرة، وإلى اليوم أمشي بالشارع فاسمع من يقول: أُوه.. كلمتين اثنين».. وقد استمر إعداده وتقديمه لهذا البرنامج الشعبي اليومي حتى عام 1986عندما أضطر إلى التوقف لظروف خاصة وعامة.

وفي شهر رمضان عام 1997 أعد وقدم برنامجاً يومياً خفيفاً باسم «رمضانيات» أضفى عليه نفس الطابع البسيط والسلس والمباشر، فكان بذلك المعد والمقدم المتميز الذي لم تؤثر عليه اختلاف أنواع البرامج التي لم تختلف من حيث القدرة على الانفراد بالمستمع منذ أن يبدأ البرنامج حتى ينتهي، حسب شهادة الإعلامي القدير جميل محمد أحمد رئيس إذاعة عدن السابق، وأحد فرسان ورواد إذاعة عدن.

كما اشترك لاحقاً في تقديم برنامج(رمضانيات) وبرنامج (العيد أفراح)، فضلاً عن إسهامه في إعداد وتقديم برنامج إذاعي إخباري باللغة الإنجليزية.. ولا شك أن استمرارية البرامج التي يعدها الأستاذ أحمد عمر بن سلمان ويقدمها، وروعة الأداء، وما يضفيه على برامجه من روح الدعابة، قد أكسبته شهرة واسعة بين أوساط المستمعين وعشاق الإذاعة، فغدا صديقاً لكل بيت داخل الوطن وخارجه.

عوامل نجاح برامج بن سلمان:

لا شك أن هناك عوامل عديدة توفرت كأساس لهذا النجاح الذي حققته كافة برامجه الإذاعية، وعلى وجه الخصوص برنامجه (العلم والإنسان)، لاستمراريته دون انقطاع على مدى نصف قرن، حتى توقفه قسرياً بسبب توقف بث إذاعة بعد غزو الحوثيين لعدن عام 2015م وحتى الآن، وكذلك برنامج “كلمتين اثنين”. ومن أبرز تلك العوامل نذكر:

  • إيمانه القوي بأنه صاحب رسالة يؤديها، لقناعته أن الحياة أو السعادة ليس في الأخذ فقط بل بالعطاء أيضا. «نعم هذا صحيح.. أعرف شيئاً قد لا يعرفه الآخرون، فأشعر أنه بأني أفيدهم لو أنا وَصَّلته لهم.. إيصال المعرفة والمعلومة شيء جيد، لأنك تعطي من ذاتك، هذا ربما حث الآخرين مستقبلا في أن يحذون حذوي.. أحس أن الحياة أو السعادة ليس في الأخذ بل بالعطاء أيضا».
  • شغفه بالعلم ومنجزاته، ومتابعة تطوراته في مختلف مجالاته، بحكم خلفيته العلمية فتوسعت معارفه وتمكن من حسن انتقاء واختيار موضوعاته، فضلاً عن موهبته الإعلامية التي صقلها بالممارسة العملية وبحبه وإخلاصه للتخصص العلمي الذي اختاره عن قناعة واقتدار. «استندت في إعداد البرنامج على خلفيتي العلمية ودفعني هذا تلقائياً إلى الاستماع إلى البرامج العلمية الأخرى».
  • إجادته اللغة الإنجليزية التي أحبها مبكراً ونبغ في دراستها والإلمام بها، وهي لغة العلوم العصرية في زمننا الحاضر، بعد أن تخلف العرب والمسلمون عن ركب العلم والحضارة. وكانت مراجع معلوماته ومصادرها من أُمهات الكتب العلمية العالمية، قبل وجود الكمبيوتر أو البحث عن المعلومة من الانترنت وغيره، وأصبح مرجعاً لا يُضاهى فيها، وأضافت كثيراً إلى رصيده المعرفي ومكنته من التميز والنجاح في إيصال رسالته وتبسيط مصطلحاتها عند نقلها إلى العربية بطريقة تجعل من السهل فهمها من قبل المستمعين والمتابعين، يقول: « يأتي من يبلغني بأن طلبة كلية الطب يرتاحون لسماع برنامج “العلم والإنسان”، فأنا أقدم أي مصطلح  بالإنجليزية بصياغة فيها السلاسة، فيها الترابط.. فأن تقرأ مصطلحا باللغات الأجنبية وتفهمه شيء، وأن تحاول توصليه إلى آخر لا يقرأ الإنجليزية شيء آخر.. وهنا لا بد من الاجتهاد في كيفية إيصاله».
  • طريقته المتميزة في النطق، التي تسترعي الانتباه وتجذب المستمعين لمتابعته. ولقد تابعناه منذ طفولتنا، ولصق بذاكرتنا بصوته حسن النَّغْمَةِ الذي لا تخطئه أذن، ونبرته الصوتية المميزة والمحببة إلى قلوبنا والتي تجذب الانتباه. يقول عن ذلك: «أقدر أقول: نعم.. لي طريقة في النطق متأثر بها من خلال استماعي إلى الإذاعات العالمية المهم صارت علامة مسجلة».
  • البساطة والسلاسة وذلك الأسلوب الممتع والجذاب الذي يقدم به مادته العلمية المعقدة بأبسط لغة يتلقاها المستمع العادي وبأسلوب غاية في الرشاقة وخفة الدم.. فيجعل من صعوبتها مادة خفيفة ومقبولة حتى لدى الأميين. وهذا ما مكنه من أن يحبّب العلم إلى المتعلم كما إلى الانسان العادي الذي ليست لديه اهتمامات علمية من أي نوع وأن يبسط له علوم العصر ويجعلها مفهومة له ومحببة اليه، وإذا ما أردنا أن نكون أكثر إنصافاً فأنه رائدٌ في مجال تبسيط العلم وتقديمه إلى كل الناس. إنه بمثابة المعلم، فيه حكمة الفيلسوف وبساطته، وفي يده مشعل العلم والمعرفة، وجسارة الفارس، وفيه كل روعة الانسان.
  • رُوح الدعابة التي يتصف بها كإنسان أسهمت في نجاح برامجه، التي لا تخلو من مُلْحة أو فكاهة، من دُعاباته اللَّطيفة. « نعم.. روح الدعابة فيه مرح يخليك تضحك.. والضحك بحد ذاته يساعد على التنفس، يخلي الهواء النقي يدخل لك.. هناك مقولة: إن القلوب إذا عميت كلَّت. خففوا قليلاً من الهموم بشيء من الضحك.. من الدعابة.. من الطرافة.. ما فيها شيء.. لا فيها إساءة.. لا فيها كذا.. بالعكس تخلق جواً جميلاً.. وروح الدعابة جيد.. يخلق الألفة.. يخليك تضحك.. ابتسم لبرهة وفي خلال برهة سترى أميالاً من الابتسامات».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى