كيف واجه الرئيس الزُبيدي التحديات الاقتصادية؟ ولماذا؟

عدن 24 / أحمد مطرف

أصبح لزاماً علينا الكتابة عن شخص الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وتناول سيرته العطرة لكي يتعرف الناس على تاريخ هذا الرجل صاحب السجل الناصع بياضً، ونعيد للأذهان حقيقة لماذا عيدروس الزُبيدي الآن؟

يجب أن نكون أكثر بعداً، وأكثر عمقاً من مجرد استبدال شخص بشخص، إن التغيير المطلوب ليس فقط أن يكون تغيراً في الظروف والمناخ، بل إن التغيير المطلوب يجب أن يكون فكراً أوضح، وحشداً أقوى، وتخطيطاً أدق، وبذلك يكون للتصميم معنى، وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح كل العوائق والسدود، ونافذة واصلة إلى هدفها.

عيدروس الزبيدي يؤمن بأن الكفاح الحقيقي هو الذي ينبثق من وجدان الشعب، لأنه لا يتوقف حتى النصر، وإن القضية الجنوبية وجدت لتبقى وستبقى وستنتصر، ولا يزايد أحد على الزبيدي، وهو الذي تشكل وعيه عليها.

في الوقت الذي أرتمى اصحاب المصالح في أحضان صنعاء، أختار عيدروس الزبيدي طريق الكفاح المسلح وبناء المقاومة الجنوبية ضد المحتل اليمني، وعمل بصمت وأتخذ من جبال وشعاب ردفان ويافع والضالع مقراً له وتدريب كتائب المقاومة الجنوبية.

طيلت 28 عاماً، كانت القضية الجنوبية قضية عيدروس وإيمانه بها لا حدود له، معتبرا قضية الجنوب ومقاومتها الباسلة (أنبل ظاهرة إنسانية في عصرنا).

يرى الزبيدي وفق فقه أولوياته إن مشروع استعادة الدولة الجنوبية، خيار لا رجعة عنه، وعلى إثر ذلك وضع قدميه في هذه الطريق المحفوف بالصعاب والمخاطر، وداس بها الارض المليئة بحقول الالغام ليجتازها بحنكة واقتدار، وبذلك سكن في قلوب وأفئدة كل الجنوبيين، وصنع لنفسه مكانة في نفوس كل من عرفوه وتعاملوا معه، ونال الاحترام والتقدير عند خصومه.

الزُبيدي الشخصية التي كان الجنوب ينتظرها منذُ عقود من الزمن، وظهوره أتى في مرحلة كان الجنوب أحوج لمثل هذه الشخصية الكارزمية، الصادقة مع نفسها وقضية شعبها، وبذلك نالت الثقة والتفويض الشعبي العارم.

لقد مر الجنوب بمنعطفات واحداث تاريخية عظيمة بالغة الخطورة والأهمية، بدأت هذه الفترة من تاريخ الجنوب بحرب شنها الشماليون في صيف 94م التي هزت الجنوب هزاً عنيفاً، قلبت الموازين السياسية والعسكرية لصالح الشمال بعد أربع سنوات من توقيع اتفاقية الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب يوم 22 مايو 1990، على إثرها حدث اختلال في بنود اتفاقية الوحدة، ومطالبة الجنوب بحق فك الارتباط مع الشمال واستعادة دولته، عندما شعر الشماليون حينها بأنهم المنتصرون في هذه الحرب الظالمة، وأنهم قد أحكموا قبضتهم على الجنوب، الذي عاش طيلت 28 عاماً واقع احتلال بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

ثم جاءت الحرب الشمالية الثانية في 2015 على الجنوب، ولكل حرب اهدافها الاستراتيجية مع اختلاف الثانية بعد أن تعمقنا في معرفة العدو الحوثي من جهة لتحديد مصادر قوته ومواطن ضعفه تحديداً دقيقاً مهد لنا الطريق في الصراع الاقليمي الدائم والمستمر في المنطقة واطماع ايران وتمددها الفارسي على حساب الخليج العربي، وفي مرحلة واحدة من الصراع السياسي بين القوتين العظميين بالشرق الأوسط.

إن الشيء الحقيقي الذي لا يجوز أن نسقطه من حسابتنا كجنوبيين، هو صمود شعبنا أمام تلك الحروب وآلة الدمار التي شنها الشماليون والتي هزمنا بها الهزيمة، ورفعنا بها الرايات بعد تنكيسها، وأحيينا بها الأنفس بعد موتها، إنما هو حق التاريخ علينا أن نُعرف بالعدو الحقيقي الغاصب والمستبد لأرضنا، وأن نحافظ على مكتسبات الثورة الجنوبية وما تحقق خلال هذه السنوات التي مضت من نجاحات عسكرية ومكاسب سياسية يعود الفضل فيها بعد الله للرئيس الزبيدي قائد مسيرة الثورة الجنوبية، وصانع المنجزات والتحولات العظيمة وبجانبه كل القوى الثورية الجنوبية الحية، والقوات المسلحة الجنوبية والأمن والمقاومة البطلة.

لماذا عيدروس الزبيدي الآن؟

الحقائق والدلائل هي التي تتحدث عن تاريخ عيدروس الزبيدي، وما الذي عمله خلال فترة وجيزة؟ لم يصنع الزبيدي تاريخاً له على حساب الآخرين وجهودهم، او يؤسس نظام بانقلابه على نظام آخر، بل جاء من رحم الثورة الجنوبية حاملاً اهداف ومبادئ ومشروع الشعب الجنوبي، وقاد الانتصارات والتحولات العظيمة التي غيرت مجرى تاريخ الجنوب، وتميز بالحكمة والدهاء أحبطت كل المشاريع التآمرية التي استهدفت الجنوب الارض والإنسان، محطات خالدة في مسيرة قائد جنوبي وضع لنفسه وشعبه مكانة عند شعوب العالم في زمن قياسي لا يتجاوز سبع سنوات.

إن بيان 4 مايو 2018 لإعلان عدن التاريخي وتأسيس المجلس الانتقالي الجنوبي من وضع الجماهير ومن صنعها فقد كان صدى لصوت الجماهير يوم خرجت الجموع معلنةً حق التحرير وإستعادة الدولة الجنوبية بحدود قبل عام 90م مطالبةً بالصمود حتى نيل الاستقلال، وتفويض الرئيس الزبيدي.

واكدت المعطيات العسكرية إن نجاح الجيش الجنوبي واحرازه الانتصارات تلو الانتصارات العسكرية والأمنية التي تم تحقيقها على أرض الميدان وفي مختلف الجبهات وعلى مستوى جميع محافظات الجنوب طيلت سبع سنوات، لم تكن لولا إن إعادة البناء في القوات المسلحة والأمن، وتلك الجهود المضنية التي فرغ الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي نفسه لها واشرف عليها لتؤتي أكلها بكفاءة واقتدار، واستطاع الرئيس الزبيدي أن يجعل من حرب 2015 محطة جديدة للبناء وتصويب المسار على كل المستويات، وبعد إعادة بناء القوات المسلحة الجنوبية، تم تحديد أولوية المعركة، وقد أعقب ذلك كله إنجازات عظيمة.

حرص الرئيس القائد الزُبيدي على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطن في الجنوب ووضع سلسلة من المطالب التي تستهدف جميعها تحسين الأوضاع المعيشية، وذلك بعد أن تعرض الجنوب لحرب الخدمات منذ فترة زمنية طويلة عملت على استنزاف ثرواته وضرب مؤسساته واستقراره المعيشي، حيث واجهة القيادة السياسية ممثلة بالرئيس الزُبيدي هذه التحديات الاقتصادية نظراً لأهميتها وحيويتها والدفع نحو تحقيق الاستقرار الذي ينشده الجنوبيون، وظهرت التحركات الأخيرة التي نفذها الرئيس الزبيدي خارجياً ولقائه بالوفود الدبلوماسية للدول الخمس وممثلين عن دول دائمة العضوية، والمشاركة في حضور جلسة لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين بحضور الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط التي تعكس مدى حرص واهتمام الرئيس الزبيدي على استقطاب كل الدعم الممكن وكذا محاولة إحداث انتعاشه معيشية يملسها المواطن الجنوبي.

الزبيدي ودعوة الحوار الجنوبي

لقد أطلق الرئيس الزبيدي دعوة الحوار الوطني الجنوبي، من خلال اروقة المجلس الانتقالي الجنوبي، وفتح آفاق الحوار الوطني الشامل لاستلهام الدروس والعبر من الماضي، وهذه الدعوة النابعة من حرص الرئيس الزبيدي تأتي لأهمية الحوار كقيمة وطنية في هذه المرحلة التي ستعمل على تعزيز اللحمة والجبهة الوطنية وتقوية النسيج الاجتماعي الجنوبي، يشارك فيه كافة القوى الوطنية الجنوبية في الداخل والخارج المؤمنة بحق الحوار والهدف الجنوبي، حيث يأتي الحوار الوطني كقيمة وطنية وانسانية وحضارية وسياسية واجتماعية وثقافية، وغدا اليوم ضرورة حتمية لنبذ الخلاف وردم الهوه ومعالجة أسباب التشظي في الماضي والحاضر، لذا يجب على الجميع المشاركة الفاعلة والتعاطي مع هذه الدعوة بإيجابية، لنكون شركاء في تحمل المسئولية ومواجهة التحديات الماثلة امام شعب الجنوب وحماية مكتسباته الوطنية وصولا لتحقيق هدفه الأسمى المتمثل باستعادة دولته الجنوبية كامل السيادة.

العمل السياسي في مرحلة الصمود

شهد الجنوب متغيرات وتحولات عديدة خلال السنوات الماضية، حيث كانت هذه السنوات مليئة بالأحداث المهمة في المشهد الجنوبي، ومن أبرز هذه الأحداث على المستوى السياسي، تمكين الجنوب سياسياً بقيادة المجلس الانتقالي وصعوده الى الواجهات نداً وموازيا لبقية الاطراف السياسية على مستوى الازمة اليمنية.

لقد ظهرت حنكة وقدرة المجلس الانتقالي في تحركاته ومفاوضاته السياسية في إطار مناقشات داخلية مع بقية الاطراف السياسية المحلية، ولقاء قيادته مع اطراف دولية عديدة، وتمكنه في صناعة الخارطة السياسية، وتمتين علاقته بالتحالف العربي.

إن انخراط المجلس الانتقالي في الحالة التوافقية تعكس بشكل واضح مدى وصوله للنضج السياسي ومعرفة المخاطر والالاعيب السياسية والحيل التي يتبعها اعداء الجنوب وهم كثر تمثلت بمليشيا حزب الاصلاح الإخواني الإرهابي وجماعة أنصار الله الحوثية وتحالفاتها مع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من القاعدة وداعش الذي تقود حربها المشبوهة ضد الجنوب، وبفضل السياسيات الحكيمة التي يتبعها المجلس الانتقالي الجنوبي مثلت حائط صد قويا في إطار حماية الجنوب من خطر أستهدافه، واغلقت الباب أمام محاولة الإدعاء التي تمارسها بعض الاطراف السياسية ضد الجنوب.

كما أنه لم يعد هناك أدنى شك بأن الجنوب يمضي نحو البدء بتصحيح البيت الجنوبي الجنوبي وازالة آثار ورسوب الماضي، واصبح يفكر بعقلية اليوم التي تتماشى مع التطورات السياسية الدولية، وعلى مدى خمس سنوات من العمل السياسي المواكب لمرحلة الصمود أستطاع المجلس الانتقالي الجنوبي تحقيق قفزة نوعية سياسياً ودبلوماسيا داخليا وخارجيا، والفضل الأكبر يعود للرئيس الزبيدي الذي أشرف بنفسه على هذا البناء التنظيمي السليم، وإعادة هيكلة هيئات المجلس الانتقالي، وهو ما اكدته مخرجات الدورة الخامسة للجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي.

ثمة عوامل داخلية وتحولات خارجية أجبرت الاشقاء في مجلس التعاون الخليجي تكثيف الجهود لأطلاق مشاورات الرياض اليمنية والخروج بنتائج أفضت الى تشكيل مجلس قيادة رئاسي يمارس صلاحية رئيس الدولة ونائبه ويعمل على قيادة البلد خلال فترة انتقالية لم تحدد بعد، ومثلت هذه العملية السياسية خارطة طريق نحو السلام، وانخراط الجنوب في الحالة التوافقية التي تعكس بشكل واضح حرص القيادة السياسية ممثلاً بالرئيس القائد عيدروس الزبيدي على إحلال السلام الدائم والمستدام الذي يضمن للجنوب تحقيق مشروعة الحضاري في استعادة دولته الجنوبية.

الأهم من ذلك هو أن المجلس الانتقالي الجنوبي وخلال فترة وجيزة أستطاع أن يحقق نجاحات ومكاسب على الواقع السياسي والعسكري، وهو مالم يتوقعه خصومه بعد أن راهنوا على فشله مبكراً وازاحته من المشهد، مستغلياً في ذلك القرار السياسي الذي منحهم القوة المفرطة في التعامل مع مطالب وحقوق الشعب الجنوبي الصابر والصامد في وجه الطغيان.

لقد أثبت الزبيدي يوماً بعد يوم بأنه يسير بنا نحو الضوء، نحو الحياة، نحو السلام، ذلك هو تاريخ عيدروس الزبيدي من القرية الى العالم، بعد أن كان بالأمس مطاردا محكوما بالإعدام أصبح اليوم على كرسي الرئاسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى