فيلم “قائمة التشغيل النهائية”.. الحب من أول صوت


تروي أحداث الفيلم الأمريكي ”قائمة التشغيل النهائية“ (The Ultitmate Playlist of Noise) سيرة حياة مراهق يعمد إلى وضع قائمة يخزن فيها الأصوات من حوله قبل فقدانه السمع.

ويفتتح المخرج المشاهد بأجواء هادئة تبث مشاعر حب وفرح وأمل، في حفل موسيقي لفرقة مشهورة، ولكن هدوء الليلة الهانئة لا يكتمل، إذ يسقط ماركوس فاقدا وعيه ليجد نفسه في المستشفى، ويتفاجأ بإصابته بورم في الدماغ.

ويعاني ماركوس من ضغط نفسي بانتظار معرفة ماهية الورم وطبيعته، فيختار مواجهة الواقع بالتفاؤل، على الرغم من احتمال فقدانه لمركز السمع في الدماغ.
ويضاعف معاناة ماركوس شغفه المتأصل بالموسيقى والأصوات، ليدخل في سباق مع الوقت، ساعيا إلى التمتع بنعمة الأصوات بجميع أشكالها قبل فوات الأوان.
وتكشف لنا أحداث الفيلم تعلق ماركوس بالنغمات والأصوات وتفاصيلها، فهي ليست مجرد أمر روتيني معتاد أو هواية يسجّي بها أوقات فراغه، بل هي بمثابة صديق وملجأ، ويدعم ذلك قوله في أحد المشاهد ”هل أؤمن بالحب من أول نظرة؟ لا أعلم. ولكنني أؤمن بالحب من أول صوت“.

ويظهر البطل مهووسا عاشقا للموسيقى منذ المشاهد الأولى، ولكن الغريب في علاقته مع الأصوات أنه كان يضع زوجين من السماعات ويستمع في ذات الوقت للموسيقى والضوضاء معا، ما يوحي بمدى اتصاله العميق بالأصوات ككل. ومن ناحية أخرى ربما يشير سماع الضوضاء إلى واقعية الحدث، ورفض ماركوس للانفصال التام عن المحيط، بواسطة الموسيقى وحدها.

وتبرز اللغة الخطابية المباشرة لماركوس حين تحدث أمام الكاميرا، وكأنه يخاطب الجمهور من وراء الشاشة؛ قائلا ”أتعتقدون أن ارتداء سماعتين أمر مبالغ فيه؟ الفكرة هي أن الصوت ملجئي إلى شيء أكبر مني“.

وفي مشهد آخر تتسلل الكاميرا ببطء لتظهر لنا ندبة من آثار حرق قديم، ويخبرنا ”لقد احترق منزلنا عندما كنت صغيرا ومات أخي أليكس خلال محاولته إنقاذي. وكل ما أفعله الآن من أجله، فأستمر باستخدام سماعاته والاستماع إلى موسيقاه“.

ونشهد في العمل اعتماد المخرج أسلوب التلقين المباشر دون ترك فسحة للمشاهد ليُعمِل بها عقله ويفسر أو يفكر، ما أضعف السيناريو نوعا ما، إذ يحبذ معظم النقاد إيصال الرسائل دون أن يشعر المشاهد بوجود الكاميرا، مع التزام الممثلين بأداء أدوارهم وكأنهم لا يعلمون بوجود كادر التصوير حولهم. فاستخدام الأسلوب المباشر نفى عنصر العفوية والتلقائية.
وفي موطن آخر، نجد أن كاتب السيناريو نجح في تقديم حوارات متقنة على الرغم من بساطتها، تهدف إلى تحجيم الألم، من خلال دمج الفكاهة بالحزن، مثل تشتت ماركوس عند مقابلته لويندي بطريقة فوضوية، إذ يخبرها أنه لا يستطيع الوثوق بعقله بسبب الورم.

ويرتكز الفيلم على رحلة ماركوس الشخصية والاستعانة بفتاة أحلامه، ليصبحا حافزا مؤثرا في حياته، ونلاحظ طريقة تفاعله مع الحدث المؤلم ومرونته في تركيز طاقته بالتغلب على حالة الصمم المُنتظَرة قبيل خضوعه للعمل الجراحي.

وينظم ماركوس رحلة برية يكرس معظم وقته فيها لصناعة الأشرطة وتسجيل جميع الأصوات المحيطة، من طنين الرياح، إلى أمواج البحر، والمنشار، والأبقار، وصوت محرك السيارة، والمطر، محاولا الوصول إلى حد التخمة قبل أن يعيش حالة الفقد، فهل يغنيه تجميع الأصوات عن حياة كاملة سيقضيها وهو أصم؟

ويتضح لنا أن العمل يسير في خط درامي حالم يلعب على أوتار العواطف الإنسانية ليرسم الأمل والتفاؤل. ونجح المخرج بإيصال مختلف المشاعر الوجدانية، ليقدم عملا غنيا بأحاسيس الامتنان لقدرتنا على سماع الأصوات وتمييزها.

وتبرز في العمل ثغرات، منها افتقاره لمركزية العلاقة بين ماركوس وويندي وقوتها، فلم يولها كاتب السيناريو الاهتمام المطلوب لدعم الفيلم وإغنائه، فجاء أداء ماركوس رسميا وجادا في معظم المشاهد، ما جعل العلاقة تخلو من عناصر الحركة والتفاعل المتبادل والانجذاب الصادق.

ومن الجدير بالذكر وقوع الفيلم في مطب التكرار، على غرار إعادة ماركوس لسرد قصة الندبة والحريق وتأثره الشديد بأخيه الذي تخلى عن أحلامه في الموسيقى لينقذه.

وينحرف المسار الدرامي للفيلم من تحديات مراهق يعاني المرض، إلى تأثره الشديد بفقدان شقيقه ورغبته في الانغماس بالموسيقى ليشعر أنه يفعل أشياء تمثل هوسا لشقيقه الراحل، إلى أن يكتشف حقيقة مرة تسبب له صدمة تغير كل شيء.

وتعرض دور السينما العالمية حاليا الفيلم. وهو من إخراج بينيت لاسيتر، وسيناريو ميشيل وينكي، وبطولة كيان جونسون، ومادلين بروير، وجيك ويري، وأوليفر كوبر، وأريلا بارر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى