الجنوب إلى أين؟ .. “الحلقة الثانية”

بقلم اللواء ركن ـ علي مثنى هادي | قائد القوَّات الجوِّية والدفاع الجوي في جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقاً

الحلقة الثانية:

◄إنَّ جغرافية الجمهورية العربيَّة اليمنيَّة قديمها وحديثها بما فيها الأراضي التي تنازل عنها النظام الملكي والجمهوري على حدٍّ سواء للسعودية عام 1934م وعام 2000م تشمل إقليم المملكة المتوكليَّة الهاشمية، ثم المملكة المتوكليَّة اليمنيَّة، ومن ثم الجمهورية العربيَّة اليمنيَّة فقط لا غير والموجود على الخارطة السياسيَّة لجغرافية شبه الجزيرة العربيَّة، حيثُ تقع اليمن في جنوب غرب شبه الجزيرة العربيَّة بمساحتها وحدودها المعروفة والمرسمة دولياً وتخضع للقانون الدولي والخاص بترسيم الحدود ولا علاقة لها إطلاقاً بجغرافية الجنوب العربي أو جغرافية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية المترامية الأطراف والمحددة بمساحتها وجغرافيتها وحدودها الدولية المتعارف عليها مع اليمن والسعودية وعُمان، حيثُ تقع في جنوب وجنوب غرب شبه الجزيرة العربيَّة.
إنَّ المُسميات التي فرضت على جغرافية شبه الجزيرة العربيَّة ومُسمى اليمن كان واحداً منها حيث كانت كلَّها تنطوي تحت مبدأ وأد وإلغاء وضم الهويَّات الوطنية والتاريخيَّة على هذه الأرض الشاسعة من شبه الجزيرة العربيَّة فوضعت مسميات تقزيمية وتملكية تتشابه مع المغالطات من الإسرائيليات التوراتية التي تسللت في الوجدان الشعبي والثقافي والتاريخي والجغرافي لشبه الجزيرة العربيَّة، فتحول الأمر معها وكأنها ضيعة لا بدَّ من تملكها، ولنا في الحالة السعودية والدولة الزيدية مثال حي على ذلك، وكما هو الحال حدث مع جغرافية سورية الكبرى التي تغيير أسمها إلى جغرافية بلاد الشام وحدث مثل هذا التغيير على جغرافية جنوب غرب شبه الجزيرة العربيَّة التي حل مكانها اسم اليمن مع العلم أن هذين المسميين يقال إنَّهما نسبا إلى الكعبة الشريفة بحيث أصبح شمال الكعبة لبلاد الشام ويمين الكعبة باليمن، وإذا كان الأمر كذلك والمعلومة حقيقية فلا بدّ من إعادة النظر في الجغرافيا اليمنيَّة لتصبح جغرافية اليمن ممتدة من يمين الكعبة نزولاً إلى جنوب غرب شبه الجزيرة العربيَّة، وبهذه الحالة فاليمن ليست جغرافياً بذاتها ولكنها جهة تقع داخل جغرافية شبه الجزيرة العربيَّة وكذلك الحال مع جغرافية سورية الكبرى التي تقع شمال الكعبة الشريفة لتصبح جغرافية بلاد الشام ممتدة من شمال الكعبة صعوداً إلى شمال شبه الجزيرة العربيَّة بتعدد كياناتها السياسيَٰة والجغرافية والسُّكّانية القائمة إلى اليوم والمختلفة التسميات في هذه الحالة سقطت جغرافية سورية الكبرى لتحل مكانها جغرافي بلاد الشام المتعددة الجغرافيا والكيانات الأمر ينطبق على جغرافية جنوب وجنوب غرب الجزيرة العربية كونها أيضاً متعددة الكيانات والجغرافيا، وبهذه الحالة يسقط فخ يمننة جغرافية الجنوب الواحد.
إنَّ الغزوات والحروب التي حصلت على جغرافية الجنوب وعلى مدى حقب من التاريخ كان هدفها الرئيس السيطرة على هذه الأرض الواسعة والواعدة بثرواتها المتنوعة في البر والبحر ولموقعها الاستراتيجي المتميز على المحيط الهندي وبحر العرب ومضيق باب المندب، حيثُ جرت محاولات عديدة لغزو الجنوب خلال فترات وحقب زمنية متعددة من التاريخ ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً لأن شعب الجنوب في كل المناطق قد تصدى لهذه الغزوات والحروب وهزمها في كل حروبهم وغزواتهم ابتداءً من الغزو السبئي والبرتغالي والزيدي والتركي والبريطاني وأخيراً الاحتلال اليمني في عام 1994م باسم الوحدة اليمنيَّة.
إنَّ الدولة الوطنية التي قامت بعد الاستقلال في الجنوب بهويتها وشعبيتها كانت قد بنيت لتكون دولة قوية ونداً قوياً لكل محاولات الغزو والاحتلال وبالذات الحروب التي شنَّها النظام اليمني على الجنوب في سبعينيات القرن الماضي وبدعم واضح من قبل دول الجوار الإقليمي والدولي الحالمين بهذه المنطقة ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً و هزموا هزائم نكراء، رغم أن ميزان القوى كان غير متكافئاً مع خصوم النظام الوطني العديدين والمتنوعين مما اضطرهم إلى نهج أساليب جديدة لاحتواء النظام من الداخل وقد نجحوا بذلك من خلال خلق الأزمات والصراعات التي كانت تفتضي دائماً إلى الاقتتال الداخلي والإقصاء والقتل لكل قيادات الدولة والثورة من الجنوبيين ولا غير الجنوبيين فقط وكلها كانت بسبب اليمننة الواحدة وفيروسها الخبيث الذي كان متوغلاً في بنية ومفاصل الدولة ومركز صنع القرار فيها والمرتبط بأجندات مختلفة قومية وأممية ومذهبية وشعاراتية لها مصلحة في ذلك.
اعْتَقَدَ أنهم قد وقعوا في فخ وشرك اليمننة ولم يدركوا ذلك إلَّا بعد أن انطبق عليهم المثل الشعبي القائل (الزوج طلق والصاحب رفض)، وبهذا خسروا وكانت خسارتهم باهظة الثمن لانهم خسروا الوطن والتاريخ والأخوة والجغرافيا أيضاً.
وها هو شعب الجنوب ينهض من جديد وبقوة لاستعادة هويته وجغرافيته ودولته شاءوا أم أبوا ومن دونهم وعليهم أن يفكروا ملياً لتصحيح هذا الخطأ المجحف بحقِّ الجنوب وشعبه ودولته والعودة إلى جادة الصواب والاعتراف بأخطائهم واعتذارهم لشعب الجنوب عن كل ما حصل بسببهم وتأييد الثورة الجنوبيَّة ومجلسها الانتقالي لاستعادة الدولة والتخلي عن أوهام اليمننة الواحدة وشعار لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنيَّة وتحقيق الوحدة اليمنيَّة ليتحول الشعار لنناضل من أجل استعادة الدولة الوطنية الجنوبيَّة ولا شيء غير اسم دولة الجنوب هوية وتاريخياً وشعبياً وجغرافياً فهلا فعلتم ولكل حادث حديث ( اضرب الوطاف يفهم الحمار)..؟
في ختام هذه القراءة والاجتهاد المتواضع أرجو أن يكون اجتهادي موفقاً وإن كان غير ذلك فقد حاولت الاجتهاد، فإن أصبت فلي أجران وإن أخفقت فلي أجر واحد ولكنني في الآخر فتحت باب الاجتهاد للاستفادة والاتعاظ ولتصحيح المسار فقد كان لزاماً عليَّ أن أفتح هذه القراءة بعدد من الدروس والاستنتاجات للاستفادة والمضي قُدماً نحو المستقبل والغد الجديد بإذن الله وبهمة شباب الجنوب الأحرار وهي:
1ـ فكرة الوحدة ويمننة الجنوب سقطت نهائياً وجدانياً ونفسياً وأخلاقياً وسياسياً وانتماءً لدى كل شعب الجنوب بمكوناته المختلفة وبصورة نهائية ولا رجعة فيها.
2ـ على مدى 30 عاماً من قيام الوحدة (الفخ) التي الغت ودمرت الدولة الوطنية في الجنوب ونهبت الممتلكات الخاصة والعامة والثروة في الجنوب جراء حرب الاحتلال التي شنَّها الاحتلال اليمني بتحالفاته القبلية الاقطاعية والعسكرية والمذهبيَّة والدينيَّة في عام 1994م وتحت شعار الوهم لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتحقيق الوحدة اليمنية.
3ـ يتحول شعار الجنوب الجديد لنناضل من أجل استعادة دولة الجنوب العربي هوية وتاريخ وشعب وجغرافيا.
4ـ على كل المعنيين بهذه القراءة أن يتنحوا جانباً ويكفوا من العبث بشؤون الجنوب وشعبه وخياراته وإرادته وسلطته وثروته لأنه قد تم تشفيرهم ووضعهم في المجهر فقد أعذر من أنذر، هلا فعلتم يرحمكم الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى