نقابات الجنوب اليوم: هل تستلهم الدروس من نقابات الأمس؟
كتب / أ. بلعيد صالح محمد:
تُعد النقابات العمالية جزءًا أساسيًا من تاريخ الجنوب، حيث لعبت دورًا محوريًا في حركة التحرر الاجتماعي والسياسي، وكانت محركًا رئيسيًا للتحولات الاقتصادية والاجتماعية في مواجهة الاستعمار. فمنذ نشأتها في الثلاثينيات وحتى الستينيات من القرن الماضي، كانت هذه النقابات تمثل جزءًا من نضال أوسع ضد القمع والاستغلال، حيث أثبتت قوتها في تنظيم الإضرابات والاحتجاجات من أجل تحسين ظروف العمل وزيادة الأجور، رغم القوانين الاستعمارية التي كانت تهدف إلى تقييدها.
لم تكن النقابات في تلك الفترة مجرد تجمعات مهنية، بل كانت معقلًا للنضال الوطني، حيث ساهمت في تشكيل وعي جماعي حول أهمية التضامن والوحدة في مواجهة الاستعمار. كما أصبحت النقابات ركيزة أساسية في مسار الكفاح ضد الاستعمار البريطاني، وكانت نقابات مثل جمعية النجارين وعمال الفحم في عدن تلعب دورًا بارزًا في تسليط الضوء على قضايا الطبقات العاملة، وتكوين قوة ضاغطة للمطالبة بحقوق العمال في ظل الظروف القاسية.
وفي مرحلة ما بعد حرب 1994، استطاعت بعض النقابات أن تخرج من أجواء الانتصار التي عاشها تحالف الحرب، وتفرض مطالب منتسبيها، على سبيل المثال، كان قرار الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بإبعاد الدكتور عبدالوهاب راوح من رئاسة جامعة عدن، واستبداله بالدكتور عبدالعزيز بن حبتور – رغم ارتباطه بنفس النظام – خطوة هامة فرضتها النقابة، وذلك بعد بيان نشرته النقابة في صحيفة الأيام يدين تدخل راوح في عمل المؤتمر النقابي الخامس لنقابة جامعة عدن. وقد لعبت شخصيات نقابية جنوبية بارزة مثل الشهيد زين اليزيدي ود. حامد جعفر الحامد دورًا مهمًا في هذه التحولات.
أما اليوم، فتواجه النقابات العمالية والأكاديمية في جنوب اليمن تحديات متنوعة، لكن هذه التحديات لا تقل أهمية عن تلك التي واجهتها في الماضي. مع تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، لا تزال النقابات تحمل إرثًا نضاليًا عميقًا، لكنها بحاجة إلى استلهام دروس الماضي. في حقبة الستينيات، كان للعمال القدرة على مواجهة التحديات، وتمكنوا من تشكيل تحالفات قوية مع القوى السياسية لتحقيق العدالة الاجتماعية. لذلك، يجب على النقابات اليوم إعادة إحياء تلك الروح النضالية، والاستفادة من قوتها التاريخية لمواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة، مما يسهم في دفع عجلة التغيير السياسي والاجتماعي في الجنوب.
إن النقابات العمالية في الجنوب اليوم بحاجة إلى استلهام العبر من تاريخ نضالها في الستينيات، عندما كان التنظيم النقابي الأداة الأساسية لتحقيق التحرر من الاستعمار. من خلال تعزيز التضامن بين العمال وبناء تحالفات مع القوى السياسية، يمكن للنقابات أن تساهم في بناء مستقبل أفضل، يشبه إلى حد بعيد اللحظات التاريخية التي شكلت ملامح التغيير في الماضي. فهل سيستطيع نقابيو اليوم أن يحققوا ذلك في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب؟