تنافس أجنحة الحوثيين على الثراء يكشف فاسدين بين قيادات الجماعة

أدى تنافس أجنحة الانقلابيين الحوثيين على النفوذ والثراء، إلى الكشف عن كثير من قضايا وملفات الفساد، وتطور التنافس، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى إحالة عدد من المتهمين بالفساد إلى المحاسبة، رغم أنه لم يجرِ الإفصاح عن هوياتهم.

قبل أيام، كشف تقرير رقابي في صنعاء عن الاستيلاء على 24 مليون دولار، بموجب عقود وهمية من المِنح المقدّمة من «اليونيسيف» لقطاع المياه والبيئة، والاستحواذ على مساحات من أراضي ميناء الصليف، في محافظة الحديدة، بقيمة نصف مليون دولار، وإصدار وثيقة ضمان لدى «البنك اليمني للإنشاء والتعمير»، لإحدى الشركات المنفّذة لصيانة محطة حزيز الكهربائية في صنعاء، بقيمة 249 ألف دولار.

التقرير الصادر عن قطاع مكافحة الفساد، الذي يديره الحوثيون منذ انقلابهم في 2014؛ قدَّر حجم الأضرار في القضايا المنجَزة والمُحالة إلى نيابات الأموال العامة، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، بما يزيد على 5.7 مليار ريال يمني (الدولار حوالي 530 ريالاً)، و5 ملايين دولار، في 55 قضية فساد أمكن الوقوف عليها، وتورّط فيها 211 قيادياً حوثياً في الفترة نفسها.

وأكّد التقرير أن الرقم الفعلي أعلى من الأرقام المذكورة، مشيراً إلى تفشي مظاهر الفساد، وتعاطي الرشاوى، والاختلالات المالية والإدارية بشكل كبير، وخصوصاً من قِبل قيادات الحوثي والمسؤولين المُوالين له والمشرفين في مختلف الوزارات والهيئات والمحافظات والمديريات والمناطق.

واتهم التقرير المشرفين الحوثيين في قطاع الضرائب في العاصمة صنعاء، بالصرف العشوائي من الحسابات الخاصة، خلال عامي 2020 و2021، والتصالح مع مكلفي الضرائب من خلال الرشوة، واختلاس مشرفي تحصيل ضريبة المبيعات العقارية في مكتب هيئة الأراضي بمحافظة صنعاء، وبعض مكاتب الأشغال بالمديريات التابعة للمحافظة، أكثر من 600 ألف دولار.

وتحدَّث التقرير عن تورّط قيادي حوثي بصفة أحد وكلاء العاصمة صنعاء، وآخر في إدارة الأشغال العامة جنوب العاصمة، وعدد من المهندسين في الإدارة، باختلاس الملايين من العملة المحلية.

التصعيد إلى القضاء

خلال الأسابيع الماضية، أثير كثير من قضايا الفساد التي يتورط فيها قادة حوثيون، وجَرَت إحالة عدد منها إلى أجهزة وجهات رقابية تحت سلطة وإدارة الميليشيات الحوثية، في حين عدّته مصادر محلية في صنعاء تطوراً لافتاً في صراع الأجنحة الحوثية وتنافسها على الموارد والثروات ومصادر الثراء.

ففي أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أحالت الميليشيات، التي تسيطر على مصلحة الجمارك في العاصمة صنعاء، ملفاً حول التلاعب بالضمانات المالية في «جمرك ميناء الحديدة» إلى قطاع مكافحة الفساد، في سابقة وصفتها وسائل إعلام الميليشيات بالأولى من نوعها.

وسبق ذلك بيومين إحالة القطاع نفسه 28 شخصاً متهماً بوقائع الاستيلاء على المال العام والاختلاس والتزوير والاستيلاء على أراضي الدولة، إلى نيابة الأموال العامة المتخصصة بقضايا الفساد؛ لاستكمال إجراءات رفع الدعوى الجزائية قِبلهم أمام محكمة الأموال العامة، وزعم مشرفو القطاع حينها إقرار دليل حماية المبلّغين والشهود والخبراء في قضايا الفساد.

وفي الشهر نفسه أقر القطاع إحالة 50 متهماً على ذمة هذه القضايا إلى نيابة الأموال العامة، المختصة بقضايا الفساد، بوقائع وصفها بالإضرار بمصلحة الدولة والاقتصاد الوطني والعملة الوطنية، وتهريب عملة أجنبية، وغسل العائدات الإجرامية، والتهرب الجمركي بحجم تعاملات مالية غير مشروعة.

وأعلن القطاع حينها أن حجم الفساد في تلك القضايا بلغ 5 ملايين و227 ألف دولار، و20 مليوناً و727 ألف ريال سعودي، ضُبط منها مليونان و567 ألف ريال سعودي، بالإضافة إلى ضرر بمبلغ 21 مليوناً و390 ألف ريال يمني (الريال يساوي 530 ريالاً)، وزعم إقراره تدابير وإجراءات تعقُّب المتهمين الفارّين والأموال والمتحصلات المهرَّبة في الداخل والخارج.

وفي منتصف مارس (آذار) الماضي تحدَّث القطاع عن نتائج التحري والتحقيق في قضية فساد، وإحالة 7 متهمين بما قال إنه استيلاء وتسهيل استيلاء على المال العام، والإضرار بمصلحة الدولة، إلى النيابة، بحجم ضرر بلغ 14 مليونًا و110 آلاف و300 دولار، بالإضافة إلى مبلغ 620 مليوناً و560 ألفاً و719 ريالاً (أكثر من مليون دولار)، وتهرب ضريبي بمبلغ 636 ألفاً و656 دولاراً، و19 مليوناً و516 ألفاً و538 ريالاً يمنياً، وإقرار تدابير احترازية لتتبُّع الأموال المستولَى عليها، وإحالة المتهمين إلى النيابة.

ولفتت مصادر في العاصمة صنعاء إلى أن الكشف عن هويات مرتكبي وقائع الفساد يحدث على هيئة تسريبات ونشر وثائق ومعلومات بين القادة الحوثيين المتنافسين؛ إلا أنه لا يجري الإفصاح عن هويات وشخصيات من تتم إحالتهم إلى المحاسبة والمساءلة وأجهزة القضاء، مرجحة أن هذه القضايا يجري تسويتها سراً؛ نظراً لمكانتهم في الهرم القيادي للميليشيات.

النفوذ بالسلالة لا المنصب

أخيراً، وجّه القيادي الحوثي غازي محسن، وزير التعليم الفني والتدريب المهني في حكومة الميليشيات، التي لا يعترف بها أحد، مذكرة إلى القيادي الآخر أمين جمعان، أمين العاصمة صنعاء، حول ممارسات فساد يرتكبها قيادي ثالث هو عادل حسن المهدي الذي عيّنته الميليشيات مديراً لمكتب التعليم الفني والتدريب المهني في العاصمة.

ووفق مصادر اطلعت على المذكرة، فإن محسن قال عن المهدي إنه تحول إلى مدير عام للجباية من موارد المعاهد في مخالفات مالية كبيرة، حيث أقر لنفسه تقاضي 7 في المائة من إيرادات المعاهد، الواقعة تحت إشرافه.

ووفقاً للمصادر، فإن المهدي، وخلال 5 سنوات في موقعه، فرض على الطلاب في معاهد التعليم الفني والتدريب المهني رسوماً دراسية غير قانونية وصلت إلى ما يعادل 100 دولار عن كل طالب، تحت مسمى المشاركة المجتمعية، ورسوماً أخرى على ما يسمى التعليم الموازي، ونحو 20 دولاراً عن كل خريج من المعاهد.

وواصل محسن اتهاماته للمهدي بنهب مُعدات وآلات وأدوات وأثاث وتجهيزات المعاهد، وقطع الأشجار في فناءاتها وبيعها كأحطاب، والتسبب في تراجع مستوى الإقبال والتسجيل في المعاهد المهنية، ونزوح المدرسين والمدربين، وتعيين مقرَّبين له من خارج قطاع التعليم الفني والتدريب المهني عمداء للمعاهد، وإقصاء الموظفين من أعمالهم، وتلفيق تهم كيدية لهم بالفساد.

المصادر نبّهت إلى أن محسن، المنتمي إلى محافظة شبوة، يظهر عاجزاً أمام المهدي، رغم أنه صاحب المنصب الأعلى، لكن المهدي يتفوق عليه بالانتماء السلالي، والقرابة من زعماء الانقلاب في صعدة، على عكس الأول الذي ليست لديه الحظوة نفسها التي يمتلكها الثاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى