يسلم سعيد .. الشاب الذي تفوق على ما عداه وحقق حلمه في الحياة

عدن 24 / بالليل طاهر :

 الحديث عن الأشخاص قد لا يعجب البعض ، لكن ذلك لا يلغي حقنا في الحديث عن اشخاص” حبيناهم أو اعجبنا باعمالهم، قد تقف منبهرا امام أعمال المبدعين، وقد تجعلك بعض المواقف تصيح بأعلى صوتك دون شعور، وفي نفس الوقت هناك من الاشخاص من يفرض عليك احترامه بحسن طباعه ودماثة اخلاقه، وهناك من يجبرك على الحديث عن نجاحاته في هذه الحياة، وبين الاعجاب والانبهار قد تجد نفسك احيانا مندفعا للحديث عن شخصا ما سواء” للإنصاف او للتعبير عن الحب وإلاعجاب .
ولا اخفيكم في هذه العجالة اني قد أعجبت بتفكير وعمل هذا الشاب الردفاني المجتهد ومن الانصاف أن نتحدث عنه لاظهار ما حققه من نجاح ، ولهذا من ردفان وتحديدا من منطقة (شعب الديوان) نبدأ هذا الحديث …..

منطقة (شعب الديوان) هي محل سكن ومسقط رأس الشاب (يسلم سعيد الغزالي) وهي قرية رابضة على سفح أحد الجبال هناك تتحضنها مساحة واسعة من الأراضي الزراعية، ومع انها من القرى الفقيرة إلا انها لا تخلو من الجمال، تملك كل مقومات النجاح لكنها لم تنجح إلى الآن ، هي احدى جارات وادي (صهيب) الأكبر والأشهر بين وديان ردفان، وتقع على عتبة (سد سبأ) الاستراتيجي أكبر منشأة زراعية في المنطقة ، عندها تلتقي اهم اودية المديرية، وتقع على مقربة من مدينة (الحبيلين) حاضرة ردفان الاولى ،  وأهم ما يميز هذه القرية انها تطل على رقعة زراعية خصبة ممتدة على طول الوادي كانت قد خضعت في زمنا ما لمشروع مسح زراعي نفذته الدولة عندما كانت توجد في الجنوب دولة تخدم المواطن وتبني المشاريع ، حيث تم تشكيل اطيان هذه الارض بطريقة مرتبة وباشكال منتظمة تتخللها شبكة قنوات ري حديثة لترسم منها لوحة هندسية بديعة تسر الناظر وتثير الاعجاب .
وانت تمر بهذه الارض وهي مكتسية بخضرة القصب الموسمية تشعر بأنها تخفي بداخلها كنزا ثمينا ويحتاج إلى من يبحث عنه ويكشف اسراره، لكن ذلك المنظر قد لا يستمر طويلا فهي سرعان ما تتوشح بغبرة التراب عندما تنقطع عنها الامطار .
الارض هذه تحيى بحياة المطر وتجف بغيابه ، تخضر شهرا وتيبس دهرا ، رعاتها ورعيتها لم يتمكنوا من كسر هذه القاعدة القاسية ، وظل هذا المشهد الممل يتكرر امامهم عاما بعد عام دون حيلة ولا تغير ، ومع ذلك فهم لا يرون اغلا ولا احب اليهم منها، فهي بالنسبة لهم في موقع الفؤاد واغلاء من الروح لكنهم للاسف حبسوا عنها طاقاتهم وبخلوا عليها جهد سواعدهم، وما كان لها إلا أن بادلتهم نفس الجفأ ، ابتعدوا عنها فتمنعت عليهم وقطعت الوصال، ومع أن الرزق كل الرزق موجود في هذه الارض الا انها ظلت بالنسبة لهم خارج الصندوق !!! .
انتشروا في الارض للبحث عن مستقبلهم بعيدا عنها على أن يعودوا اليها في يوما من الايام ، فمرت الايام وطالت السنين ، تبددت الطاقات وانقضت الاعمار ولكن لم يعود أحدا فبقى باب العمل في هذه الأرض مقفلا في انتظار الفارس الذي قد يأتي حاملا كلمة المرور وقادرا على تسجيل الدخول ..
 
يسلم هو الآخر ذهب للبحث عن عمل بعيدا عن هذه الارض مثله مثل غيره من شباب القرية، إلا انه لم يلتزم في عمل محدد ولم يثبت على وظيفة ما، دائما كان يغير الفكرة ، على امل أن يجد العمل الذي يناسبه ويلبي طموحه ، لكنه لم يجد احسن من العمل في الأرض . 
يقول يسلم انه عمل وهو شاب صغير في تحميل القلابات والسيارات بمادة النيس التي كانت تأتي لجلبها من مجرى الوادي القريب من منزله ، وقال انه اشتغل في تنقيش الأحجار ، وعمل بالأجر اليومي في عدد من الأعمال الحرة داخل البلد ولأن هذه الاعمال لم تحدث تغيير في حياته ففكر بالاغتراب ، حيث سافر الى السعودية للبحث عن عمل ولانه لم يتوفق ايضا بعمل مناسب هناك قرر العودة إلى ارض الوطن وفتح فرشة لبيع الخضروات في مدينة الحبيلين حيث عمل فيها عدة سنوات حتى اندلعت حرب اليمن والتي جمدت الاقتصاد في البلد واوقفت الأعمال ، وعندها لم يتبقى امام يسلم غير طريق الجيش فانظم الى أحدى التشكيلات العسكرية التابعة للمقاومة الجنوبية وبقي فيها حتى تم تحرير الجنوب من مليشيات الحوثي وحينها عاد يسلم إلى قريته لعدم رغبته بالعمل العسكري .
يقول يسلم أن عمله في سوق الخضار جعله يتعرف على كثير من المزارعين والمرشدين الزراعين من مختلف المحافظات حيث اكتسب منهم كثير من الخبرات في الجانب الزراعي وقال أنه كان يفكر بالعودة إلى الأرض منذ زمن طويل لكنه كان لا يمتلك الإمكانات اللازمة لذلك ، وقال أن هذه الأعمال التي تنقل فيها قد حسنت من ضروفه المادية بعض الشيء وأصبح وضعه أفضل من السابق  وهذا ما جعله يبدأ بالتفكير الجدي بالزراعة والعودة للعمل في الأرض ومنذ ان خرج من الجيش وهو يحوم حول هذا الباب المقفل حتى استطاع  أن يفلت من بين قضبانه لينطلق نحو هدفه المرسوم حاملا فكرته المستوحاة من إرث آبائه واجداده الذين ارتبطوا بهذه الارض فاخلصوا لها واخلصت لهم اكرموها بجهدهم وعرقهم فجادت عليهم بخيرها وعطائها ولان سنة الحياة اقتضت ان يرحلوا عنها ليتركوها لأبنائهم إلا إن الأبناء في هذه القرية والذي يسلم واحدا منهم تاخروا عنها كثيرا ولم يهتموا بها مثل الآباء فظلت عقود من الزمن مهملة” تنتظر من يعود إليها ليبادلها العشق الصادق بعد أن رحل عنها عشاقها المخلصين .
 قطعة الأرض الزراعية التي يملكها يسلم كانت صغيرة مقارنة مع ملاك الأرض الآخرين لكن موقعها القريب من مجرى الوادي أعطاها افضلية ومن محيط هذه الارض الخاصة به بدأ يسلم يخطط لتنفيذ مشروعه من خلال البحث اولا عن الماء، فحدد المكان وشرع بالحفر ، وفور سماعهم للخبر فزع اليه مجموعة من شباب القرية الذين توافدوا إلى المكان لمساعدته وما هي إلا ايام قليلة وبعد عدة امتار من الحفر حصلوا على الماء وبشكل وفير فاق التوقعات ، وزفت البشراء الى اهل القرية بان يسلم ورفاقه قد وجدوا الكنز !! 
يا للهول !  من كان يتصور أن هذه الارض التي ظلت قرونا من الزمن عطشاء وتتمنا قطرة الما تقف على بحيرة من الماء ؟؟.
أين كان السابقون والذين سبقوهم ؟ وكيف غاب عن تفكيرهم استخراج هذا الكنز المدفون ؟ !!!! .

لا شك ان الماء هو الاساس في نجاح هذا المشروع ومادام قد حضر الماء تبقى بقية الأشياء مجرد تفاصيل ..
 أما الآن :  فقد أصبحت هذه البئر الغزيرة مزودة بمنظومة طاقة شمسية تضخ الماء إلى الحقل طوال اليوم وأصبحت مزرعة يسلم كل يوم تتوسع وتكبر سيما وقد أدخلت عليها تقنيات الري بالرش والتقطير وبدأت تتنوع فيها المنتجات الزراعية وصارت هذه الأرض التي طالما ملت من زراعة القصب تزرع البطاطس والطماطم والكوسة والباذنجال والبامية والجزر والخيار والبسباس والثومة والفجل والكراث والبصل والبطيخ والسمسم وكافة انواع الحبوب ، وصار العمل في هذه الأرض الذي كان في السابق مقتصرا على النساء وكبار السن يزاوله الجميع، نساء”ورجال- شباب” وشابات – صغارا وكبار ، وصارت هذه القرية التي كانت شبه نائمة تنعم بالحركة والنشاط .
وبهذا استطاع يسلم أن ينتشل قريته من حالة الركود التي كانت تعيشها وساهم كثيرا في تحسين أسعار هذه المنتجات لصالح مواطني منطقته. والاهم من ذلك كله أنه وفر لأسرته الحياة الكريمة التي كان ينشدها واستطاع أن يشق طريقه نحو النجاح حتى حقق حلمه وما تمناه طول حياته ومازال يكافح بغية الوصول إلى غايات أعظم واكبر .

 ولا ابالغ أن قلت أن قصته علمتني شخصيا كيفية قلب الحظ السيىء إلى حظ جميل بمجرد تغيير الفكرة وتشغيل العقل والتصالح مع الواقع ، واهديها إلى كل شاب عاطل عن العمل او محبط من وضع بائس ويريد تغييره .
فاحلامنا المحطمة سرعان ما تتحول إلى بدايات مختلفة وفرص غير متوقعة، ولو تأملنا أحوال الناجحين في الحياة لوجدنا أن بداياتهم المتعثرة صارت نقطة انطلاقهم نحو الثراء والشهرة، وليس أدل على ذلك اكثر من أن معظمهم لم يكملوا تعليمهم الجامعي وفوق هذا حققوا مالم يحققه غيرهم من الدارسين ، والنجاح هو الوصول إلى الهدف ، لكن كيف يتحقق ؟ ولماذا ينجح البعض بينما يفشل آخرون ؟  بيد ان هناك من هو مؤمن بالنجاح ويسعى للوصول إليه فيتحقق له ذلك، وهناك من هو غير مهتم به وراضي بما هو عليه من حال معتقدا انه ليس بالإمكان أفضل مما كان ولذلك ظل في محله، وبالمجمل تبقى الحياة مليئة بالإثارة والامتاع وستظل مخيلتنا كبشر مليئة بالاحلام والطموحات لتمثل قوة كامنة تحثنا على الاصرار ومحاولة الابتكار، وفي خضم ذلك تواجهنا الصعوبات والمتاعب، مما يجعلنا نتساءل عن جدوى الاستمرار بالمحاولة ومواصلة الكفاح ، ومع ان الطريق إلتي توصلنا الى تحقيق الأماني دائما صعبة ومحفوفة بالمتاعب الا ان للنجاح بعد ذلك التعب والكفاح لذة لم يجربها الكثيرون ممن استسلموا في بداية الطريق .
اما يسلم فلم يستسلم قط ، فقد اجتهد وصبر وكافح إلى ان نجح بفك عقدة النحس التي لزمت اهله وعانتها قريته طوال عقود من الزمن ونسج مع هذه الأرض الطيبة قصة نجاح فريدة لعلها تكون بداية خير تلهم الشباب الى التفكير بالعمل في الارض وتفضي الى نفض الغبار عن وجه هذه القرية الفقيرة ويدوم الخير …
   23 يناير 2023م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى