عودة الاغتيالات للجنوب.. خطة ممنهجة لافراغ المشهد الجنوبي من الضباط المحترفين

كشفت السلطات الأمنية في مدينة المكلا، مركز محافظة حضرموت، عن إلقاء قوات النخبة الحضرمية القبض على منفذ عملية اغتيال العقيد بلخير حسن بانصيب، نائب رئيس شعبة التوجيه المعنوي بقيادة المنطقة العسكرية الثانية. وأعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، في وقت سابق الاثنين، عن اغتيال القائد العسكري البارز في المكلا من محافظة حضرموت شرقي البلاد. وأحيت هذه العملية مخاوف سكان المحافظة من موجة استهدافات قد تطول القيادات العسكرية والأمنية في حضرموت، على غرار ما شهدته محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة خلال الأيام الماضية من عمليات طالت قيادات وضباطا ومجندين جنوبيين. وتصاعدت وتيرة عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات عسكرية وأمنية مقربة من المجلس الانتقالي منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل الماضي، ما اعتبره مراقبون مؤشرا على الأبعاد السياسية لتلك العمليات التي تستهدف إفراغ المشهد الجنوبي من الضباط المحترفين، وتحاول خلط الأوراق وإرباك حالة التوافق التي شهدها معسكر المناوئين للميليشيات الحوثية في الآونة الأخيرة. وقال الباحث السياسي اليمني سعيد بكران في تصريحات لـ”العرب” إن حادثة اغتيال العقيد بلخير بانصيب في المكلا أعادت الذاكرة الجمعية لأبناء ساحل حضرموت إلى أيام الاغتيالات والانفلات الأمني الذي شهدته مدن الساحل، قبل تحرير المكلا من تنظيم القاعدة وسيطرة قوات النخبة على الوضع وبسط الأمن في العام 2016. وأشار بكران إلى أن منذ الرابع والعشرين من أبريل 2016 لم تشهد المكلا ومدن الساحل في حضرموت أي عملية اغتيال سياسي، ولم تقيد أي عملية قتل ضد مجهول، وهو ما يعد إنجازا أمنيا كبيرا بفضل الإسناد والدعم اللامحدود من قوات التحالف لحضرموت. وتابع المحلل اليمني “حادثة اغتيال بانصيب أثارت المخاوف من عودة ذلك الكابوس، لكن سرعان ما ألقت القوات الأمنية القبض على الجاني، وبغض النظر عن دوافع الحادثة إلا أنها دقت ناقوس تنبيه بضرورة إيلاء الأمن والأجهزة الأمنية اهتماما مضاعفا، للحفاظ على الإنجاز الكبير وتطويره ليشمل وادي حضرموت الذي تضربه فوضى الاغتيالات والقتل العشوائي”. وشهد عدد من المحافظات الجنوبية في الفترة الأخيرة سلسلة من حوادث الاغتيالات التي كشفت الأجهزة الأمنية عن دوافع وخلفيات بعضها والجهات التي تقف خلفها، كما هو الحال مع عملية اغتيال قائد محور العند العسكري اللواء ثابت جواس الذي تم اغتياله بتفجير سيارة مفخخة شمال عدن، ونشرت قوات مكافحة الإرهاب في عدن تسجيلات عن المتورطين في الحادث، والذين يرتبط بعضهم بقوات أخرى تابعة للشرعية. وفي قراءة لدلالات عمليات الاغتيالات التي شهدتها محافظات جنوب اليمن، يشير الباحث العسكري والأمني العقيد وضاح العوبلي في تصريح لـ”العرب” إلى أنه يمكن الحكم على ظاهرة الاغتيالات بأكثر من تفسير بناء على نوع وظروف وزمان ومكان الاغتيال، أو بناء على أهمية ومكانة الشخص أو الأشخاص المستهدفين بالاغتيالات. ويؤكد العوبلي أن الاغتيالات التي تركزت في الفترة الأخيرة في العاصمة عدن وبنسب متفاوتة في المحافظات المحررة الأخرى، تشير بوضوح إلى كونها اغتيالات ذات طابع سياسي، خصوصا إذا ما نظرنا إلى توقيتها المتزامن مع فترة التحضيرات لمشاورات الرياض أو بالتوازي معها، وزادت بشكل أكبر مع إعلان نقل السلطة و تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وبعد عودة المجلس إلى العاصمة المؤقتة عدن. وتابع “هذا يدفع بتقديراتنا إلى الجزم بأن هذه العمليات ممنهجة وجرى ويجري الترتيب لها بدقة، وتلتقي عندها أجندة عدائية مشتركة بين أطراف متطرفة داخلية مدعومة وموجهة من أطراف إقليمية، ناهيك عما تمثله هذه العمليات من إثبات دامغ ومعزز بالدلائل على مستوى التخادم المطرد بين الحوثي والجماعات الإرهابية المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم القاعدة الإرهابي”. وحول تركز عمليات الاغتيالات في العاصمة عدن وانعدامها في مناطق سيطرة الحوثي، يضيف العوبلي “هذا يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه العمليات ذات أهداف سياسية، أقلها حصول الحوثي على ما يعزز مزاعمه بأن العاصمة عدن والمحافظات المحررة ككل غير آمنة، وهناك أهداف أخرى داخلية أهمها الاستفادة من هذه العمليات لإقناع الرأي العام بأن الأمن يتركز في مناطق سيطرة الحوثي، كما توحي للرأي العام الداخلي والخارجي بأن هناك صراعات أجنحة وتصفيات متبادلة بين أطراف الشرعية”. وتشير العديد من نتائج التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية منذ تحرير عدن في 2015 إلى تورط الحوثيين بشكل مباشر أو غير مباشر في عمليات زعزعة الأمن في المناطق المحررة، كما وظف الحوثيون الخلافات بين أطياف الشرعية في تنفيذ الأجندة التي تستهدف المشهد الأمني في جنوب اليمن. ويوضح يعقوب السفياني، مدير مكتب مركز سوث 24 للدراسات في عدن، أن منذ 2015 وحتى الآن تمت تصفية المئات من الكوادر الأمنية والعسكرية الجنوبية بطرق مختلفة ومتعددة، لافتا إلى أن هذا الأمر يندرج في سياق استراتيجية وخطة ممنهجة مستمرة لتحييد الشخصيات المؤثرة وذات الثقل وإخراجها من المشهد. وأشار السفياني إلى أن عمليات الاغتيال ضد القيادات الجنوبية زادت وتيرتها بشكل ملحوظ قبل وبعد إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد في البلاد، وهو ما يضع تساؤلا عن الأسباب الإضافية التي عززت شهية القتل والتصفية ضد هؤلاء القادة، إلى جانب الهدف القديم المذكور أعلاه، حسب تعبيره. وأضاف “أعتقد أن ازدياد وتيرة هذه العمليات ضد القادة الجنوبيين مؤخرا يعود إلى رغبة الجهات المنفذة في خلق المزيد من التوتر أمام المجلس الرئاسي، وعرقلة عمل اللجنة العسكرية والأمنية العليا في إعادة ترتيب أوضاع القوات الشرعية، ومنها القوات الجنوبية، قبل انتهاء الهدنة الأممية التي لا أتوقع أن البناء عليها سيكون ممكنا في ظل تعنت الحوثيين”. ولفت السفياني في تصريحات لـ”العرب” إلى أن استهداف القادة الجنوبيين دون غيرهم وبالذات القادة المنتمين إلى المجلس الانتقالي الجنوبي أو المقربين منه أيضا، يأتي ضمن الخطة لزيادة أزمة الثقة بين أطراف المجلس الرئاسي، ولأن هؤلاء القادة بالفعل من أكثر القادة إخلاصا في الحرب ضد الحوثيين والتنظيمات المتشددة مثل داعش والقاعدة. واستدرك بالقول “مع أن غالبية عمليات الاغتيال مؤخرا ومنذ سنوات طالت قيادات جنوبية فقط، إلا أن هناك عمليات مشابهة طالت قادة شماليين كان آخرهم القيادي السلفي عبدالرزاق البقماء قائد ألوية اليمن السعيد، بمدينة مأرب، وبرأيي فإن مراقبة وتحليل هذا النسق من العمليات في الشمال والجنوب يمكن أن يدللا بسهولة على الفاعل والمستفيد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى